خطبة الجمعة القادمة 17 مايو : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 17 مايو 2024 م بعنوان : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 9 ذو القعدة 1445هـ ، الموافق 17 مايو 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 17 مايو 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 17 مايو 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 17 مايو 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 17 مايو 2024 م بعنوان : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة ، للدكتور محروس حفظي :
(1) وجوبُ المحافظةِ على المنافعِ المشتركةِ والأماكنِ العامةِ.
(2) الأمرُ بنظافةِ المرافقِ العامةِ والمنافعِ المشتركةِ.
(3) حرمةُ التَّعَدِّي عَلَى الأَمْلَاكِ العَامَّةِ.
(4) الترشيدُ العامُّ، وعدمُ الإسرافِ والتبذيرِ في استخدامِ المرافقِ العامةِ.
(5) حقوقُ الطريقِ نموذجٌ حيٌّ للحفاظِ على المرافقِ العامَّةِ.
(6) التوعيةُ المجتمعيةُ واجبٌ دينيٌّ ووطنيٌّ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 17 مايو 2024 م بعنوان : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
«واجبُنَا تجاهَ المنافعِ المشتركةِ والأماكنِ العامَّةِ»
بتاريخ 9 ذو القعدة 1445 هـ = الموافق 17 مايو 2024 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 17 مايو : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة
(1) وجوبُ المحافظةِ على المنافعِ المشتركةِ والأماكنِ العامَّةِ:
يُخطئُ الكثيرُ حينمَا يتعاملُونَ مع المنافعِ العامَّةِ على أنَّهَا كلأٌ مباحٌ، يفعلُ فيها ما يشاءُ بلا حسابٍ ولا رادعٍ، وكأنّهَا لا صاحبَ لهَا، بل يضعُ لنفسِهِ ما شاءَ مِن المبرراتِ دونَ وخزةٍ مِن ضميرٍ مع أنَّ هذا يتعارضُ مع تعاليمِ الإسلامِ ومقاصدِهِ الكليةِ الساميةِ التي أحاطتْ هذه المنافعَ والمرافقَ بالعنايةِ والرعايةِ والصيانةِ، لذا أوجبَ دينُنَا الحنيفُ المحافظةَ على المنافعِ المشتركةِ والأماكنِ العامَّةِ كالمساجدِ والطريقِ العام، والحدائقِ العامةِ والظلِّ النافعِ ووسائلِ المواصلاتِ والأنديةِ الرياضيةِ والترفيهيةِ .. الخ، وإذا كان مَن يأخذُ شيئًا ليس مِن حقِّهِ، أو يتلفُ أمرًا ما، أو يؤذِي شخصًا ما، فإنَّ فاعلَهُ سيكونُ خصيمًا لهُ في يومِ القيامةِ، فما بالُنَا بمَن يضرُّ بالأملاكِ العامةِ، أو يسعَى لتخريبِهَا لا شكَّ أنَّ الذنبَ أعظمُ، والحرمةَ أشدُّ وآكدٌ، والجميعَ خصماءُ لهُ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ، قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، فَقَالَ:إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ» (مسلم) .
كما أمرَ الإسلامُ بإصلاحِ الأرضِ وجاءَ ذلكَ على لسانِ جميعِ الأنبياءِ والمرسلين، قال تعالى:﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها﴾، وقال أيضًا: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ﴾، وبيَّنَ أنَّهُ سخّرَ للإنسانِ جميعَ ما في الكونِ، فقالَ تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً﴾، ولذا حرَّمَ عليهِ الإفسادَ فيها بأيِّ وسيلةٍ أو بأيِّ طريقةٍ، ولا أدلَّ على ذلك مِن أنَّ مادةَ «فَسَدَ» بجميعِ مشتقاتِهَا قد وردتْ في القرآنِ الكريمِ «خمسينَ مرةً»، ووَضَعَ حدَّ الحرابةِ لمَن يُفسدُ فيها، أو يضرُّ بالمنافعِ العامةِ، قالَ تعالى: ﴿إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا﴾ .
والناظرُ في تراثِنَا الإسلاميِّ يجدُ أنَّ الإسلامَ عالجَ بعضَ السلبياتِ التي تضرُّ بالمرافقِ العامةِ:
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 17 مايو : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة
(2) الأمرُ بنظافةِ المرافقِ العامَّةِ والمنافعِ المشتركةِ:
بعضُ الأشخاصِ قد يخرجُ للتنزهِ في الأماكنِ العامةِ، ويقضِي بعضَ الوقتِ للتمتعِ والفسحةِ، وقد يدخلُ المكانَ وهو نظيفٌ، ثم بعدمَا يغادرُ يخلِّفُ أكوامًا مِن القاذوراتِ وبقايَا الطعامِ حتى أحيانًا لا يصلحُ المكانُ لأنْ يتنزَّهَ فيهِ غيرهُم مِن آثارِ ما تركُوه، وقد يكونُ تنظيفُهُ لا يستغرقُ وقتًا طويلًا، لكن قد يتعمدُ فعلَ ذلك، وأطفالُهُم يجلسونَ يراقبونَ عن بُعْدٍ ما يُفعلُ، فتجدهُم – بعد ذلك – داخلَ بيوتِهِم وفي حياتِهِم الشخصيةِ لا يهتمونَ بنظافةِ بيوتِهِم ولا بترتيبِ ملابسِهِم تبعًا لِمَا اعتادُوهُ مِن آبائِهِم، ولا عجبَ أنْ جعلَ رسولُنَا إماطةَ الأذَى، ونظافةَ الأماكنِ والطرقِ العامَّةِ مِن الإيمانِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» . (متفق عليه) .
كما نهَى الإسلامُ عمَّا يعكرُ على الناسِ صفوَ حياتِهِم، أو ما يسببُ لهُم الأذَى والاشمئزاز، فنهَى عن قضاءِ الحاجةِ في الشوارعِ والطريقِ العامِ، فعن أبي هريرةَ، أنَّ رسولَ اللهِ قال: «اتقُوا الّلاعِنين»، قالُوا: وما اللاعنانِ يا رسولَ اللهِ ؟ قالَ: «الذي يتخَلَّى في طريقِ الناسِ أو ظلِّهِم» . (سنن أبي داود) .
ونهَى أيضًا عن أنْ يبولَ الإنسانُ في الماءِ الذي يشربُ منه أو يستعملُهُ في أغراضِهِ المتعددةِ كنهرِ النيلِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ».(متفق عليه).
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 17 مايو : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة
(3) حرمةُ التَّعَدِّي عَلَى الأَمْلَاكِ العَامَّةِ:
سواءٌ كان أمامَ البيوتِ أَوْ بِجَوَانِبِهَا ببناءٍ إِضَافِي غيرِ مرخصٍ له، أَوْ بأشجارٍ وَسِيَاجَاتٍ، وَبِهَذَا يَحْصُلُ تَضْيِيقٌ عَلَى النَّاسِ المَارَّةِ رَاجِلِينَ أَوْ رَاكِبِينَ، حَتَّى إِنَّهُ فِي بَعْضِ الأَمَاكِنِ اسْتُخْدِمَتِ الأَرْصِفَةُ الجَانِبِيَّةُ لِلشَّوَارِعِ بِمِثْلِ هَذَا؛ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لِلْمَارَّةِ طَرِيقٌ يَسِيرُونَ فِيهِ فَأَصْبَحُوا يَسِيرُونَ فِي الشَّوارِعِ المُخَصَّصَةِ لِلسَّيَّارَاتِ، لَا لِلْمُشَاةِ، قال ﷺ: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضَ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» (مسلم)، ولذ كان جزاءُ مَن يرفعُ عن الناسِ ما يُضايقُهُم في طريقِهِم ويؤذيهم في مشيهِم التقلبَ في نعيمِ الجنةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ ، قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ» . (مسلم)، وقَالَ أيضًا: «بينما رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ» (متفق عليه)، وعلى العكسِ الذي يشغلُ الطريقَ العامَّ ويؤذِي الخلقَ وجبتْ لهُ اللعنةُ، فعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ» (الطبراني) .
وكذا كتابةُ عباراتٍ على جدرانِ المستشفياتِ والأبنيةِ العامةِ، فتشوهُ مناظرهَا، وتذهبُ بجمالِهَا ونظافتِهَا، ويتعاظمُ ذنبُهَا إذا ما كانت غيرَ مناسبةٍ أو فيها إساءةٌ لأحدٍ، مع أنَّ دينَنَا أوجبَ علينَا النظافةَ، واحترامَ الآخرِ، ونهانَا عن الفحشِ في القولِ والعملِ، وعليكَ أنْ تستحضرَ عظمَ ما تنفقُهُ الدولةُ لإصلاحِ وترميمِ ما يفسدُهُ هؤلاء، ولذا وضعَ رسولُنَا ﷺ قاعدةَ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» . (سنن ابن ماجه)، لذا يجبُ على المتلفِ ضمانُ ما أتلفَهُ بأنْ يردَّ مثلَهُ إن كان مثليًّا، أو قيمتَهُ إنْ كان متقومًا، مِن هنا كان لزامًا علينا المحافظةُ عليهَا والتعاملُ على أنَّهَا كممتلكاتِنَا الخاصةِ.
إنَّ مِن أعظمِ ما يُؤتمنُ عليهِ الإنسانُ المنافعَ العامَّةَ، فقد أوجبَ اللهُ حِفظَهَا كما يحفظُ الإنسانُ مالَهُ وأشد، قال ﷺ:«مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ؛ كَانَ غُلُولاً يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (مسلم)، وقد جعلَ التأخيرَ عن أداءِ الحقوقِ مع القدرةِ عليها ظلمًا، قال ﷺ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» (متفق عليه)، وفي الوقتِ ذاتِهِ مدَحَ الأمينَ على أموالِ الناسِ فقال ﷺ: «الْخَازِنُ الأَمِينُ الَّذِي يُؤَدِّي مَا أُمِرَ بِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ، أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ» (البخاري).
ألَا يعلمُ هذا الغافلُ الذي يتسببُ في إهمالِ المنافعِ المشتركةِ والأماكنِ العامَّةِ أنَّ الإسلامَ حرّمَ بل جرَّمَ التعدِّي على الأموالِ العامَّةِ سواءٌ بالسرقةِ منهُ أو بإتلافِهِ وإهلاكِهِ، قال اللهُ حكايةً عن إخوةِ يوسفَ عليه السلامُ: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾، ويدخلُ في ذلك قطعًا سرقةُ الكهرباءِ والمياهِ بحججٍ واهيةٍ يزينُهَا الشيطانُ لأصحابِهَا فيحللُ لهُم السرقةَ، قالَ ﷺ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» (متفق عليه)، بل إنَّ سرقةَ الشيءِ القليلِ قد تُجلبُ للإنسانِ الطردَ مِن رحمةِ ربِّهِ سبحانَهُ، قال ﷺ: «لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» (متفق عليه)، وقد نصَّتْ كلمةُ فقهاءِ المسلمينَ على جعلِ المالِ العامِّ بمنزلةِ مالِ اليتيمِ في وجوبِ المحافظةِ عليهِ، وشدةِ تحريمِ الأخذِ منهُ، والحرصِ الشديدِ على صرفِهِ في مصارفِهِ الحقيقيةِ التي تقتضِيهَا المصالحُ، وعلى عدمِ التهاونِ في صرفِهِ، بأيِّ وجهٍ مِن وجوهِ التفريطِ.
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة 17 مايو : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة
(4) الترشيدُ العامُّ، وعدمُ الإسرافِ والتبذيرِ في استخدامِ المرافقِ العامَّةِ:
أمرنَا الإسلامُ بعدمِ الإسرافِ والتبذيرِ في كلِّ شيءٍ، وأنْ ننهجَ المنهجَ الوسطَ، قالَ تعالَى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾، والخطابُ هنا يرتفعُ القرآنُ أنْ يوجهَ للمؤمنينَ فقط، فخاطبَ جميعَ البشرِ، ولذا قِيلَ القرآنُ لخَّصَ الصحةَ والاقتصادَ في هذه الآيةِ الكريمةِ، بل جعلَ القرآنُ الترشيدَ صفةً مِن صفاتِ عبادِ اللهِ فقال: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ ، وقَالَ ﷺ: «كُلُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ، وَلَا مَخِيلَةٍ» . (سنن النسائي) .
وقد نهانَا رسولُنَا ﷺ عن الإسرافِ في الماءِ الذي هو ملكٌ للعامةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ بِسَعْدٍ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ: «مَا هَذَا السَّرَفُ» فَقَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ، قَالَ: «نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ» . (أحمد وابن ماجه) .
وها هو عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ رضي اللهُ عنهُ كان يُطفئُ الشمعةَ التي تُصرَفُ لهُ مِن بيتِ مالِ المسلمين بعدَ الانتهاءِ مِن النظرِ في أمورِ المسلمين، ثمَّ يُضيءُ شمعةً مِن مالِهِ الخاصِّ بعدَ ذلك، فعن عمرِو بنِ مُهاجرٍ «أنَّ عُمرَ بنَ عبدِ العزيزِ كانَ يُسْرَجُ عليهِ الشَّمْعَةُ ما كانَ في حَوائجِ المسلمينَ، فإذا فَرَغَ من حوائجهِمْ أطفأَها، ثمَّ أَسْرَجَ عليهِ سِراجَهُ» . (رواه ابن زنجويه في كتاب الأموال) .
وقد بشّرَ الرسولُ ﷺ مَن يوسعُ مجرَى الماءِ للعامةِ بأنّهُ صدقةٌ تُجرَي لهُ بعدَ موتِهِ، فعَن أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ: «سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ، وهُو فِي قَبْرِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ كَرَى نَهْرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ» . (البزار والبيهقي وأبو نعيم في الحلية بسند حسن لغيره) ، وقد قررَ أهلُ العلمِ أنَّ مِن الصدقةِ الجاريةِ قياسًا على ما تقدّمَ تطهيرَ النهرِ، والمحافظةَ عليهِ مِن رميِ الجيفِ والنفاياتِ وما ينجسُهُ مِن القماماتِ والمخلفاتِ، وتوسيعَ الطرقِ، وبناءَ الجسورِ والقناطرِ، وإنشاءَ المظلاتِ، وإقامةَ دورِ العلاجِ والاستشفاءِ … الخ وكلَّ ما تدعُو إليهِ الحاجةُ وظروفُ الحياةِ ومتغيراتُهَا ومستجداتُهَا مِمَّا يوافقُ الشرع، وينفعُ الناس.
العنصر الخامس من خطبة الجمعة القادمة 17 مايو : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة
(5) حقوقُ الطريقِ نموذجٌ حيٌّ للحفاظِ على المرافقِ العامَّةِ:
ولكي تنتظمَ حياةُ البشرِ، وتُحمَى المرافقُ الخاصةُ والعامةُ وضعَ رسولُنَا ﷺ ضوابطَ للطريقِ العامِّ حريٌّ بالجميعِ السيرَ عليهَا والاهتداءَ بها، عن أبي سعيدٍ الخدرِي، عن النبيِّ ﷺ قال: «إيَّاكُم والجلوسَ على الطرقاتِ»، فقالُوا: ما لنَا بُدٌّ، إنَّمَا هي مجالسُنَا نتحدثُ فيها، قال: «فإذا أبيتُم إلّا المجالسَ، فأعطُوا الطريقَ حقَّهَا»، قالوا: وما حقُّ الطريقِ؟ قال: «غضُّ البصرِ، وكفُّ الأذَى، وردُّ السلامِ، وأمرٌ بالمعروفِ، ونهيٌ عن المنكرِ» (البخاري)، ومِن إعطاءِ الطريقِ حقُّهُ: تجنبُ القيادةِ في حالاتِ التعبِ والإعياءِ والظروفِ النفسيةِ العصيبةِ، والالتزامُ التامُّ بإشاراتِ المرورِ، وأحكامِ القيادةِ التي وضعَهَا القانونُ، وإلّا أدَّى الإخلالُ بذلك إلى ما لا تحمدُ عقبَاهُ.
العنصر السادس من خطبة الجمعة القادمة 17 مايو : واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة
(6) التوعيةُ المجتمعيةُ واجبٌ دينيٌّ ووطنيٌّ:
لقد أوجبَ دينُنَا على المسلمِ رعايةَ بيتِهِ وأولادِهِ، وبيَّنَ أنَّهُ سيُسألُ عنهم يومَ القيامةٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ …» (متفق عليه)، وقالَ تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ﴾، وعلي هذا فالأسرةُ مسؤولةٌ عن توعيةِ أولادِهَا بأهميةِ هذه الممتلكاتِ، وضرورةِ عدمِ العبثِ بهَا، فدينُنَا يحثُّنَا على ذلك والدولةُ أنشأتْ المدارسَ والمكتباتِ العامةَ والمستشفياتِ والحدائقَ وغيرَهَا لخدمةِ الجميعِ، لذلك يجبُ أنْ نربيَ أولادَنَا على وجوبِ صيانتِهَا وعدمِ إتلافِهَا وتشويهِهَا، وإلّا قلّتْ الاستفادةُ منهَا، وبعدَ ذلك يأتِي دورُ المدرسةِ في تكملةِ ما بدأتْهُ الأسرةُ فيتعودُ الابنُ على التعاملِ مع الممتلكاتِ العامةِ على أنَّها ملكٌ خاص فيحافظُ عليهَا أينَمَا وُجدتْ، ولوسائلِ الإعلامِ المرئيةِ والمسموعةِ والمقروءةِ دورٌ أيضًا في ذلك، وكذا مؤسساتُ المجتمعِ المدنِي عن طريقِ توعيةِ المواطنينِ وتثقيفِهِم بضرورةِ المحافظةِ على المرافقِ العامةِ مِن خلالِ نشرِ اللافتاتِ واللوحاتِ في الأماكنِ العامةِ المختلفةِ، وتقديمِ النصحِ والإرشادِ للآخرين إذا ما قامُوا بأعمالٍ منافيةٍ للذوقِ العامِ، وهكذا لا بُدَّ مِن تكاتفِ الجميعِ في سبيلِ الحفاظِ على مقدراتِ وطنِنَا الغالِي.
والواجبُ على مَنْ سوَّلَتْ له نفسُهُ، فأتلفَ المنافعَ العامةَ بأيِّ وسيلةٍ أنْ يرجعَ إلى ربِّهِ عزَّ وجلَّ، وأنْ يتوبَ إلى خالِقِهِ قبلَ المماتِ، وأنْ يتخلَّصَ مِن هذا المالِ الحرامِ بإعادتِهِ إلى خزينةِ الدولةِ، قال ﷺ:«مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ؟قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» (مسلم)، ولْيَتَعَاوَنْ الجميعُ في حفظِ المنافعِ العامةِ بكلِّ وسيلةٍ ممكنةٍ، وليحذرُوا مِن التهاونِ في ذلك، قالَ تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾، وليعلمْ مَنْ تُسَوِّلُ لهُ نفسُهُ بأيِّ نوعٍ مِن أنواعِ الفسادِ أنَّهُ وإنْ غابَ عن أعينِ البشرِ فليعلمْ أنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ على سِرِّهِ وعلانِيَتِهِ فتذكَّرُوا قولَهُ سبحانَهُ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾ وعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِبَعْضِ جَسَدِي فَقَالَ: «اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، وَكُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» (أحمد) .
لقد ربَّى رسولُنَا ﷺ جيلَ الصحابةِ الأوائلِ على هذه الأخلاقِ، فنشرُوا الأمنَ والأمانَ، وقيمَ الإصلاحِ والبناءِ بينَ الأنامِ، فعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: «كَانَ مُعَيْقِيبٌ عَلَى بَيْتِ مَالِ عُمَرَ فَكَنَسَ بَيْتَ الْمَالِ يَوْمًا، فَوَجَدَ فِيهِ دِرْهَمًا فَدَفَعَهُ إِلَى ابْنٍ لِعُمَرَ قَالَ مُعَيْقِيبٌ ثُمَّ انْصَرَفْتُ إِلَى بَيْتِي فَإِذَا رَسُولُ عُمَرَ قَدْ جَاءَنِي يَدْعُونِي فَجِئْتُ، فَإِذَا الدِّرْهَمُ فِي يَدِهِ فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ يَا مُعَيْقِيبُ أَوَجَدْتَ عَلِيَّ فِي نَفْسِكَ شَيْئًا؟ قَالَ: قُلْتُ مَا ذَاكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ:أَرَدْتَ أَنْ تُخَاصِمَنِي أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الدِّرْهَمِ» (الورع لابن أبي الدنيا).
فعلينَا أنْ نعززَ قيمَ الولاءِ والانتماءِ للوطنِ، وأنْ نعمقَ الشعورَ بالمسئوليةِ تجاهَ المالِ العامِ، وننشرَ ثقافةَ النزاهةِ والشفافيةِ مصداقًا لقولِهِ تعالَى: ﴿فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ﴾ .
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان
د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف